حديثي إليكم اليوم سيكون بإذن الله تعالى عن فضائل الصدقة وفوائدها ، ولاسيما أنها بابٌ من أبواب الخير والفلاح ، وسبيلٌ إلى الفوز برضوان الله جل جلاله في الدنيا والآخرة ، والصدقات الطيبة تطهيرٌ وتزكيةٌ للنفوس ، كما أن من الصدقة ما يكون من أعظم شعائر الدين ، وأكبر براهين الإيمان ، فقد صحَّ عند ( الإمام مسلم ) عن أبي موسى الأشعري أن النبي ﷺ قال : ” والصدقة برهان “ . والمعنى كما جاء عند بعض أهل العلم يُشير إلى أن بذل الصدقات والحرص عليها دليلٌ قاطع وبُرهانٌ حاسم على إيمان صاحبها ودينه ومحبته لله تعالى .
كما أن في الصدقة تنميةٌ وزيادةٌ للأموال ، وتنميةٌ للأجر والثواب الذي يحصل عليه المتصدق عند الله ، وفيها سدٌ لحاجات الفقراء والمحتاجين ، وسبيل لجلب السعادة إلى نفوسهم ، ورسم الابتسامة على شفاههم ، وهي وسيلةٌ لتحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد ، وطريقٌ إلى انتشار الرحمة والتآخي والمودة بين الناس . كما أنها تدفع – بإذن الله تعالى – النِقم والمكاره والأسقام عن صاحبها .
وقد أخبر النبي ﷺ أن من حرص على الإكثار من الصدقات دُعي يوم القيامة ليكون من الداخلين إلى الجنة من باب الصدقة . وجاء في الصحيحين عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) أن النبي صلى الله عليه وسلّم ، قال : ” سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله “ ، وذكر من هؤلاء السبعة : ” ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه ” .
عباد الله :
إن للصدقات منافع وفوائد وفضائل ينبغي للمسلم أن يتأملها وأن يجتهد في تحصيلها ونيل أجرها وثوابها ؛ فالصدقة سببٌ في دعاء الملائكة للإنسان أن يزيد الله تعالى في ماله ، وأن يُبارك له في رزقه فقد صح عند ( البُخاري ) عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) : أن النبي ﷺ قال : ” ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقًا خلفًا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكًا تلفًا “ .
– والصدقة تُطفئ الخطيئة لما صحَّ في ( سُنن الترمذي ) عن كعب بن عُجرة أنه قال : قال رسول الله ﷺ :” والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار “ .
– والصدقة سببٌ لعلاج الأمراض وحماية الأعراض – بإذن الله تعالى – فقد جاء في ( المعجم الكبير ) عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ : ” حصنوا أموالكم بالزكاة ، وداووا مرضاكم بالصدقة “ .
– والصدقة سترٌ للإنسان وحمايةٌ له من النار ، فقد جاء في ( مُسند الإمام أحمد بن حنبل ) عن أم المؤمنين عائشة ( رضي الله تعالى عنها ) أن رسول الله ﷺ قال لها : ” يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة “ .
– والصدقة تُطفئ عن أصحابها حرَّ القبور لما جاء في ( المعجم الكبير ) عن عقبة بن عامر أنه قال : قال رسول الله ﷺ : ” إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور “ .
– ومن منافع الصدقة أن المتصدق يستظل في ظل صدقته يوم القيامة لما جاء في ( المعجم الكبير ) عن عقبة بن عامر أنه قال : قال رسول الله ﷺ : ” .. و إنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته “ .
– والصدقة تزيد وتُبارك في مال الإنسان ، وتدفع عنه المضرات – بإذن الله تعالى – لما صحّ عند الإمام ( مسلم ) عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) عن رسول الله ﷺ ، أنه قال : ” ما نقصت صدقة من مالٍ ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا ، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله “ .
– والصدقة رصيدٌ يدخره الله تعالى لعباده المتصدقين في الدار الآخرة من الأجر العظيم والثواب الجزيل لما صحَّ في ( سُنن الترمذي ) عن سعيد بن يسار أنه سمع أبا هريرة ( رضي الله عنه ) يقول : قال رسول الله ﷺ : ” ما تصدق أحدٌ بصدقةٍ من طيبٍ ، ولا يقبل الله إلا الطيب ؛ إلا أخذها الرحمن بيمنيه ، وإن كانت تمرة تربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل ، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله “ .
– وفي الصدقات شكرٌ من العبد لنعم الله تعالى عليه ؛ فقد جاء في ( سُنن أبي داوود ) عن عبد الله بن بُريدة قال : سمعت أبي بريدة يقول : سمعت رسول الله ﷺ يقول : ” في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً فعليه أن يتصدق عن كل مفصلٍ منه بصدقة “ .
أما أنواع الصدقات فهي من فضل الله تعالى كثيرةٌ جدًا ؛ إذ إن منها ما يكون بالقول ، ومنها ما يكون بالعمل ، ومنها ما يكون بمجرد النية ، وخير دليلٍ على ذلك ما صحَّ عند ( البخاري ) عن جابر بن عبد الله ( رضي الله عنهما ) ، عن النبي ﷺ أنه قال : ” كل معروفٍ صدقة “ .
ولهذا فإن من الخطأ الكبير أن يحصر الناس مفهوم ( الصدقة ) في مجرد بذل الأموال وإخراجها من النقود للفقراء والمساكين ، أو صرفها في أوجه الخير المتعددة ، فقد جاءت تعاليم الدين الحنيف وتوجيهاته لتوضح لنا أن هناك أوجهًا كثيرةً لبذل الصدقات ، وأنواعًا متعددةً لفعل الخير بنية الصدقة ، وانطلاقًا من هذا المعنى فإن من أنواع الصدقات التي أرشدتنا إليها تعاليم وتوجيهات ديننا الحنيف الإنفاق على النفس والأهل والأولاد ، والإحسان إلى الأقارب والأرحام واحتساب ذلك كله عند الله تعالى لما جاء في ( المستدرك ) عن جابر ( رضي الله عنه ) أنه قال : قال رسول الله ﷺ : ” كل معروفٍ صدقة ، و ما أنفق الرجل على نفسه و أهله كُتب له صدقة “ .
ولما صحَّ عن أبي مسعود البدري – رضي الله عنه – في ( الصحيحين ) أنه قال : قال رسول الله ﷺ : ” إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقةً وهو يحتسبها كانت له صدقة “ .
– كما أن من الصدقات ما يبذله الإنسان في سبيل وقاية الأعراض وحمايتها من أصحاب السوء لما جاء في ( المستدرك ) عن جابر ( رضي الله عنه ) أنه قال : قال رسول الله ﷺ : ” .. و ما وقى به المرء عرضه كُتب له به صدقة “ .
– ومن الصدقات الحرص على بشاشة الوجه وحُسن ملاقاة الآخرين ، والتبسم في وجوههم ، وإظهار البهجة بهم ومعهم ، أو أن تُقدِّم لهم نفعًا مهما كان يسيرًا ، لما جاء عند البخاري في ( الأدب المفرد ) عن جابر ( رضي الله عنه ) أنه قال : قال رسول الله ﷺ : ” كل معروف صدقة ، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلقٍ ، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك “ .
– ومن الصدقات أن يكون المسلم من مفاتيح الخير ومغاليق الشر بأن يدل على الخير ويُرشد إليه وينصح به ، لما جاء في ( شُعب الإيمان ) عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) : عن النبي ﷺ أنه قال : ” كُلُ معروفٍ صدقة ، والدالُ على الخير كفاعله “ .
– ومن الصدقات التي قد يجهلها كثيرٌ من الناس إفشاء السلام على من عرف الإنسان ومن لم يعرف من إخوانه المسلمين ، وإماطة الأذى عن طريق المسلمين ، وعيادة المريض والسلام عليه والتخفيف عنه والدعاء له . كما أن من الصدقات إغاثة الملهوف ومد يد العون والمساعدة لمن يحتاجها من المسلمين ، ودلالة التائه وهدايته للطريق ، وكل ما في حكم ذلك من الأفعال والأقوال الحسنة فهو من أنواع الصدقات التي يؤجر الإنسان عليها لما جاء في ( شعب الإيمان ) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال : قال رسول الله ﷺ : ” على كل مسلم في كل يوم صدقة ، قالوا : يا رسول الله و من يطيق هذا قال : إن تسليمك على الرجل صدقة ، و إماطتك الأذى عن الطريق صدقة ، و عيادتك المريض صدقة ، و إغاثتك الملهوف صدقة ، و هدايتك الطريق صدقة ، و كل معروف صدقة “ .
– و من الصدقات التي يجري أجرها على العبد ولو بعد حين – بإذن الله تعالى – أعمال الخير التي تكون بمثابة الصدقة الجارية ، والسعي في إصلاح ذات البين بين المتخاصمين طمعًا في إصلاح شأنهم ، ومناصحة الجُهال والغافلين وإرشادهم إلى الحق والصواب ، والصبر على أذى الناس ، والعفو عن إساءاتهم ، وإحسان الظن بهم ، والدعاء لهم بالخير ، وحُسن المعاشرة بين الأزواج ، والحرص على حُسن تربية الأولاد والبنات ، والإحسان إلى الخدم والعمال ، ودفع الحقوق إلى أصحابها ، والإحسان إلى الجيران ، والرفق بالحيوان ، والعطف على الأيتام وتفقد أحوالهم والمسح على رؤوسهم ، كما أن الكلمة الطيبة صدقة ، وكل خطوةٍ يمشيها الإنسان إلى الصلوات ، وأماكن الطاعات ، ودروس العلم ، وحلقات الذكر ، ومجالس الخير صدقة ، وما أجمل أن تكون الصدقة على من يستحقها من الأهل والأقارب وذوي الرحم فهم أولى بها من غيرهم لما صحَّ عند ( النسائي وابن ماجة ) عن سلمان بن عامر – رضي الله عنه – أنه قال : قال رسول الله ﷺ : ” إن الصدقة على المسكين صدقة , وعلى ذي الرحم اثنتان : صدقة وصلة “.
فيا عباد الله اتقوا الله تعالى ، واحرصوا على الإكثار من الصدقات بالقول مرةً ، وبالعمل مرة ثانية ، وبالنية الصالحة مرةً ثالثة ، وعليكم ببذل المال الحلال في الصدقات ، وتسخير الجاه في سبيل الله ، واحتساب الأجر والثواب عند الله تعالى في كل شأنٍ من شؤون الحياة ، وفي كل جزئيةٍ من جزئياتها . واعلموا بارك الله فيكم أن ما تُقدمونه من ألوان الصدقة والمعروف لن يضيع عند الله تعالى الذي قال في كتابه العظيم : { وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }